سيواجه البشر مناخا حارا على نحو غير مسبوق على مدى الخمسين عاماً المقبلة، وستعاني منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل خاص من تبعات هذا الارتفاع في درجات الحرارة لقلة قدرتها على التكيف.
هذا ما تنبأت به دراسة حديثة نشرتها الأكاديمية الوطنية للعلوم, وذكرت الدراسة أنه لآلاف السنين تركز البشر في مساحات ضيقة تتميز بمتوسط حرارة سنوي يبلغ 13 درجة مئوية، وتمثل أقل من 1% من اليابسة المتاحة على سطح الأرض.
وأشارت الدراسة إلى أنه اعتماداً على سيناريوهات النمو السكاني والإحترار العالمي فمن المتوقع أنه خلال الخمسين عاماً القادمة سيعيش ما يتراوح بين 1-3 مليار شخص في درجات حرارة غير مسبوقة في ظل غياب تخفيف حدة المناخ أو القدرة على الهجرة.
وتوقعت الدراسة أن يصل متوسط درجات الحرارة إلى 29 درجة مئوية يتركز معظمها في الصحراء، وأن المناطق الأكثر فقراً ستكون الأكثر تأثراً لقلة الموارد التي تسمح لها بالاعتماد على مكيفات الهواء، وأن مساحات كبيرة في أفريقيا وآسيا وأمريكيا الجنوبية وأستراليا ستكون على الأرجح في نفس نطاق درجات الحرارة.
ونشرت الجارديان في مقال لها حول الدراسة أنه من الإنصاف أن نقول أن متوسط درجات الحرارة فوق 29 درجة مئوية غير قابل للعيش. سيكون عليك إما التحرك أو التكيف. ولكن هناك حدود للتكيف إذا كان لديك ما يكفي من المال والطاقة، ونقل المقال عن أحد المؤلفين الرئيسيين للدراسة، البروفيسور مارتين شيفر من جامعة فاغينينغين:
"أن هذا ليس هو الحال بالنسبة لمعظم الناس".
ويقول خالد سليمان، الباحث في مجال تغير المناخ لـ"كلايمت تراكر", إنه يمكننا منذ الآن ملاحظة تأثيرات ارتفاع درجات الحرارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نتيجة التغيرات المناخية وقلة التيرات الهوائية الباردة حيث يتسم الجزء الأكبر من منطقة الشرق الأوسط بالمناخ المداري.
وأضاف أن ارتفاع درجات الحرارة بكثير من بلدان المنطقة يؤثر على إمدادات المياه وإنتاج الغذاء ويؤدي إلى تفشي الأمراض والأوبئة, وأشار إلى أن هناك قرى كاملة في العراق، على سبيل المثال، اضطر أهلها للهجرة؛ بسبب ارتفاع الحرارة والجفاف.
وقال خالد سليمان إن منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط ستكون أكثر هشاشة في مواجهة ارتفاع درجات الحرارة المتوقع خلال الـ50 عاماً القادمة بسبب الفقر وقلة الموارد اللازمة للتكيف, إضافة إلى تزايد النمو السكاني وقلة المصادر المائية والمساحات الخضراء، مشيرا إلى أن نسبة المياه العذبة في المنطقة لا تتجاوز 2% من مجمل المياه العذبة على الكرة الارضية في حين تتجاوز النسبة السكانية في المنطقة 6% من النسبة السكانية في العالم.
وأضاف أن ارتفاع درجات الحرارة لن يؤثر فقط على خيارات الهجرة والإمداد الغذائي ولكنه سيؤثر أيضا على الصحة والتعليم في ظل غياب الجاهزية لمواجهة درجات الحرارة غير المحتملة.
وقال نضير الأنصاري، خبير شؤون المياه وتغير المناخ، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعاني من زيادة متوسط درجات الحرارة وتضم مناطق شديدة الجفاف ومناطق جافة وشبه جافة.
وأشار الأنصاري في دراسة له بعنوان "إدارة الموارد المائية في العراق ..وجهات نظر وتوقعات" إلى أن سجلات درجات الحرارة المرتفعة في عام 2010 أظهرت أن خمس دول من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كانت من بين أكبر 19 دولة متضررة جَرّاء تغير المناخ، وهي الكويت (52.6 درجة مئوية) والعراق (52.0 درجة مئوية) والسعودية (52.0 درجة مئوية) وقطر (50.4 درجة مئوية) والسودان (49.7 درجة مئوية).
وذكرت الدراسة إلى أنه من المتوقع أن تعاني المنطقة من ارتفاع متزايد في درجات الحرارة وموجات الحرارة الشديدة التي تؤثر على السكان والمحاصيل الغذائية، كما ستؤثر على النظم الإيكولوجية البحرية ومصائد الأسماك. وأنه من المرجح أن يتسبب هطول أمطار أقل ولكن أكثر كثافة إلى جانب ارتفاع درجات الحرارة، في زيادة في حالات الجفاف والفيضانات، وارتفاع مستوى سطح البحر، والأعاصير الأكثر كثافة، كما ستكون معرضة للأمراض المنقولة والمائية.
وحذر تقرير "تأثير تغير المناخ على الدول العربية" الصادر عن المنتدى العربي للبيئة والتنمية من تبعات تغير المناخ وتأثير ارتفاع درجات الحرارة مستقبلا على مختلف مناحي الحياة، وشدد على ضرورة أن تجعل حكومات المنطقة التكيف مع هذه الظروف أولوية وطنية لاسيما أنها من بين الأكثر ضعفا في العالم في مواجهة الآثار المحتملة لتغير المناخ، وأنها تعاني بالفعل من الجفاف وارتفاع درجات الحرارة.